الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان
.فَصْل في الصبر على الضراء: وقَالَ تَعَالَى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}. وقَالَ تَعَالَى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}.فمن ابتلاه الله بنقص فِي ماله أَوْ منعه شَيئًا من شهوات الدُّنْيَا ولذاتها الفانية وعجز عَنْ تحصيله بالوسائل المشروعة أَوْ قبض لَهُ نفسًا أَبًا أَوْ أَخًا أَوْ أُمًا أَوْ ولد أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَوْ خاف من عدو فإنه لا دواء لَهُ إلا الصبر على ما أصابه.فإذا صبر المبتلى وعمل بقول ربه عَزَّ وَجَلَّ فقَدْ هانت عَلَيْهِ البلوى وضاع أثرها فاستراح من عذابها فِي الدُّنْيَا وفاز بالآخِرَة بالجزاء الحسن، فالفقير الَّذِي لا يذهب بلبه متاع الحياة وزينتها ولا يحزنه ما لا يستطيع الوصول إليه من المتاع الفاني سائر على ضوء إرشادات القرآن الكريم، مثل قوله تَعَالَى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}. وقوله: {قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ} بل مطمئن إِلَى ما قدره الله لَهُ فِي هَذِهِ الحياة من تعب ونصب، ويرضى بما قسم لَهُ فلا يسخط، ولا يفعل محرمًا فإنه لابد أن يجعل الله لَهُ من أمره فرجًا فِي حَيَاتهُ الدُّنْيَا كما قَالَ تَعَالَى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} وإذا اشتهت نَفْسهُ شَيْئًا وعدها بالْخَيْر وصبرها ومشى أموره عَلَى قَدْرِ حاله، ولا يكلف نَفْسهُ بالدين والقرض، قَالَ الله تَعَالَى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}. وقَالَ بَعْضهمْ:آخر: آخر: آخر: آخر: آخر: أما الفقير الَّذِي يزين لَهُ الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء ما فِي أيدي النَّاس، فيفسد عَلَيْهِ قَلْبهُ بالوساوس الضارة، والأماني الكاذبة، والأحلام الباطلة، فيحسد النَّاس على ما أتاهم الله من فضله، مبعدًا عَنْ الصبر على الحالة المرضية لا يبالي بأي وسيلة يتمسك بها من الوسائل المحرمة، فِي الوصول إِلَى لذة محرمة لا تغني عَنْهُ شَيْئًا ولا تسد فقره فهو من أشقى خلق الله لأنه بعمله هَذَا يكون قَدْ خسر دنياه وآخرته، وَذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ المبين.وكَذَلِكَ الغني يحتاج إِلَى الصبر على غناه لأنه مكلف بحقوق وواجبات لا يسهل على النفس فعلها من زكاة مال وإنفاق على من يُمُونُه وإغاثة ملهوف... إلخ.ثُمَّ اعْلَمْ أن إظهار البلوى سواء كَانَتْ مرضًا أَوْ فقرًا أَوْ غيرهما إما أن يكون لله تَعَالَى كما قَالَ أيوب عَلَيْهِ السَّلام: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} وكما قَالَ يعقوب: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ} فهَذَا لا ينافي الصبر.وإما أن يكون لغير الله فَإِنَّ كَانَ لحاجة كشرح العلة للطبيب أَوْ بيان المظلمة لمن يقدر على رفعها فإنه لا ينافي الصبر أيضًا ما دام راضيًا بقضاء الله وقدره، فلا يضجر ولا يتبرم مِمَّا ينْزِل به من البَلاء فَإِنِ اشتكى لغير الله من دون فائدة تبرمًا وتضجرًا لم يكن من الصابرين، ولم يستفد من مصيبته سِوَى عذاب الدُّنْيَا. قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} وقوله: {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} وقوله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ}. فالمراتب ثلاث أخسها أن تشكو الله إِلَى خلقه وأعلاها أن تشكو نفسك إليه وأوسطها أن تشكو خلقه إليه. انتهى. قَالَ بَعْضُهُمْ: آخر: وقَدْ أمر الله بالصبر فقَالَ جَلَّ وَعَلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} وقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ} وقَالَ: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} وأثنى الله على الصابرين فقَالَ: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}.وأخبر تَعَالَى أَنَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ فقَالَ: {وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} وهذه معية خاصة تقتضي الحفظ والنصر والتأييد، وأخبر جَلَّ وَعَلا أن الصبر خَيْر لأصحابه، قَالَ تَعَالَى: {وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} وقَالَ: {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}، وإيجاب الجزاء لَهُمْ بأحسن أعمالهم فقَالَ: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وأخبر جَلَّ وَعَلا أن جزاءهم بغير حساب، فقَالَ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}. فَإِنَّ كَانَ للتسلي أَوْ المواساة فلا بأس. وسيسأل عَنْ ضجره يوم القيامة خُصُوصًا إِذَا كانت شكواه مصحوبة ببَعْض العبارات التِي فيها جراءة على الله لأنه يشكو الإله القادر على المسكين.الضعيف العاجز الَّذِي لا يغني عَنْهُ شَيْئًا كما قِيْل: فتجد بعض الناس كثير التشكي إلى الناس يستأنس بالشكوى ويتلذذ بها كما قِيْل: فالجاهل يشكو الله إِلَى النَّاس وَهَذَا غاية الجهل بالمشكو والمشكو إليه فإنه لو عرف ربه لما شكاه، ولو عرف النَّاس لما شكا إليهم لأنهم مساكين عاجزون. وَرُبَّمَا كَانُوا من المتشمتين الَّذِينَ يفرحون عليه ويفرحون بموته. آخر: ورأى بَعْض السَّلَف رجلاً يشكو إِلَى رجل فاقته وضرورته فقَالَ: يَا هَذَا وَاللهِ ما زدت على أن شكوت من يرحمك إِلَى من لا يرحمك والعارف إنما يشكو إِلَى الله وحده.وأعرف العارفين من جعل شكواه إِلَى الله من نَفْسهُ لا من النَّاس فهو يشكو من موجبات تسليط النَّاس عَلَيْهِ فهو ناظر إِلَى قوله، وأخبر جَلَّ وَعَلا أنه ما يلقى الأَعْمَال الصَّالِحَة وجزاءها والحظوظ عَلَيْهَا إلا الصابرون فقَالَ عَنْ ما قَالَهُ أهل العلم والإيمان: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ}. وأخبر جَلَّ وَعَلا أنه ما يلقى الخصلة التِي هِيَ دفع السئة بالحسُنَّة إلا الَّذِينَ صبروا فقَالَ: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} الآية. .أنواع الصبر: والصبر أنواع صبر على طاعة الله بالمحافظة عَلَيْهَا دومًا وبرعايتها إخلاصًا. ومن الصبر على طاعة الله وبر الوالدين ما داما موجودين وعدم التضجر والتأفف منهما واحتمال الأذى من القريب والجار والصديق والزميل، ومنه صبر الأستاذة على الطلبة وإحتمال التعب فِي ذَلِكَ، وكَذَلِكَ الأطباء المستقيمين المخلصين فِي معالجة المرضى، وصبر الغني على إخراج زكاته بدقة وصبر المريض والمسافر على الصَّلاة والطهارة لها، وصبر المجاهد والمتعلم والصادق فِي طلبه للعلم والحاج والساعي على الأرَامِل والمساكين.ومن مشقة السفر وعناء الطلب ومكافحة الأعداء والصبر على الأَمْر بالمعروف والنهي عَنْ الْمُنْكَر وقول الحق وإن كَانَ مرًا ومساعدة الضعيف والعاجز والعدل فِي الحكم وحفظ الأمانة والإنصاف من النفس والأقارب ومواصلة السعي فِي ما يرضي الله عَزَّ وَجَلَّ وحسن الخلق وإيناس المسلم الغريب والصمت عَنْ الكلام إلا فيما يعود إليك نفعه ومُرَاقَبَة الله فيما يقوله ويفعله.ودوام الشكر لله وصرف نعمه فِي طاعته، وإحترام أهل الدين وتقديرهم والذب عَنْ إعراضهم إِذَا إنتهكت، والصبر على الأولاد والأهل وحثهم على الصَّلاة والزَّكَاة وسائر الطاعات. وَاللهُ أَعْلَمُ. وصلى الله على مُحَمَّد وعلى آله وصحبه وسلم.فَصْل:النوع الثانى: الصبر عَنْ معصية الله خوفًا من الله ورجَاءَ ثوابه وحياء من الرب جَلَّ وَعَلا أن يستعان بنعمه على معاصيه، فالصبر عَنْ المعاصي لازم لسعادة الإنسان فِي دنياه وآخرته، فَإِنَّ الله نهى عباده عَنْ الفحشاء والْمُنْكَر ليعيشوا فِي هَذِهِ الحياة الدُّنْيَا مطمئنين، لا ينال أحدهم من عرض أخيه بالقول والْفِعْل ولا يتعدى أحدهم على غيره فِي ماله وبدنه، ولا تغرهم الحياة الدُّنْيَا.وزينتها فيسعون فِي الأرض فسادًا من أجل الحصول على لذاتها المضمخلة الفانية وشهواتها الخداعة الفاسدة.فمن يصبر على ضبط لِسَانه عَنْ الكلام المحرم فلا يغتاب ولا ينم ولا ينافق بالقول، ولا يكذب ولا يساعد بقوله ظالمًا، ولا يجادل بالْبَاطِل ولا يسخر بالمسلمين ولا يحلف إلا بِاللهِ صادقًا ولا يقذف مسلمًا ولا يخاصم ليقطع حق مُسْلِم ولا يشهد الزور ولا يؤذي مسلمًا بالفحش والبذاء، فإنه بذَلِكَ يتقى آفات لِسَانه التِي تفضي بالمرء إِلَى الهلاك.ومن صبر على حفظ فرجه فلا يستعمله إلا فيما أحله الله عملاً بقوله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} فإنه بذَلِكَ ينجو من شر غوائل الزنا واللواط وكَانَ أمينًا على سلامة عرضه وحفظه من الضياع.ومن صبر وربط عقله عَنْدَ غضبه فلا يبطش بيده ولا يحقَدْ بقَلْبهُ، وقَدْ ضبط لِسَانه فقَدْ سلم من مظَالِم خلق الله، وكَانَ مسلمًا حقاً كما قَالَ صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لِسَانه ويده». قصة يوسف مَعَ امرأة العزيز وهي تتعلق فِي الصبر، وَمَمْلُوكًا وَالْمَمْلُوك أَيْضًا لَيْسَ وَازِعَهُ كَوَازِعِ الْحُرَّ وَالْمَرْأَة جميلة، وذات منصب وهي سيدة وقَدْ غاب الرقيب وهي الداعية إِلَى نفسها، والحريصة على ذَلِكَ أشد الحرص ومَعَ توعدته بالسجن إن لم يفعل والصغار ومَعَ هَذِهِ الدواعي كُلّهَا صبر اختيارًا وَإيثَارًا لِمَا عَنْدَ الله وَأَيْنَ هَذَا مِنْ صَبْرِهِ فِي الجب على ما كسبه وكَانَ يَقُولُ: الصبر على أداء الطاعات أكمل من الصبر على اجتناب المحرمَاتَ. وأفضل فَإِنَّ مصلحة فعل الطاعة أحب إِلَى الشارع من مصلحة ترك المعصية ومفسدة عدم الطاعة أبغض إليه وأكره من مفسدة وجود المعصية. انتهى.قَالَ الإِمَام أحمد رَحِمَهُ اللهُ: ذكر الله سُبْحَانَهُ الصبر فِي القرآن فِي تسعين مَوْضِعًا. انتهى. وهي أنواع: مَنْهَا تعليق الإمامة فِي الدين به وباليقين، قَالَ الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}. فبالصبر واليقين، تنال الإمامة فِي الدين. ومنها ظفرهم بمعية الله سُبْحَانَهُ لَهُمْ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.قَالَ أبو علي الدَّقَّاق: فاز الصابرون بعز الدارين لأنهم نالوا من الله معيته ومنها: أنه جمَعَ للصابرين ثلاثة أمور لم يجمعها لغيرهم وهي الصَّلاة منه عَلَيْهمْ ورحمته لَهُمْ، وهدايته إياهم، قَالَ تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. وقَالَ بَعْض السَّلَف: وقَدْ عُزِيَ على مصيبة نالته فقَالَ: ما لي لا أصبر وقَدْ وعدني الله على الصبر ثلاث خِصَال، كُلّ خصلة مَنْهَا خَيْر من الدُّنْيَا وما عَلَيْهَا ومنها: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَبَاحَ لَهُمْ أن يعاقبوا على ما عوقبوا به ثُمَّ أقسم قسمًا مؤكدًا غاية التأكيد أن صبرهم خَيْر لَهُ فقَالَ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}.فتأمل هَذَا التأكيد بالقسم المدلول عليه بالواو ثُمَّ باللام بعده ثم باللام التِي فِي الجواب. ومنها: أنه سُبْحَانَهُ حكم بالْخُسْرَانُ حكمًا عامًا على كُلّ من لم يؤمن ولم يكن من أهل الحق والصبر وَهَذَا يدل على أنه لا رابح سواهم فقَالَ تَعَالَى: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر}.ولهَذَا قَالَ الشافعى: لو فكر النَّاس كلهم فِي هَذِهِ السورة لوسعتهم وَذَلِكَ أن الْعَبْد كما لَهُ فِي تكميل قوتية، قوة العلم وقوة الْعَمَل وهما الإِيمَان والْعَمَل الصالح وكما هُوَ محتاج إِلَى تكميل نَفْسهُ فهو محتاج إِلَى تكميل غيره وَهُوَ التواصي.بالحق والتواصي بالصبر وَأَخِيَّة ذَلِكَ وقاعدته وساقه الَّذِينَ يقوم عَلَيْهِ إنما هُوَ الصبر.ومنها: أنه سُبْحَانَهُ خص أهل الميمنة بأنهم أهل الصبر والمرحمة الَّذِينَ قامت بِهُمْ هاتان الخصلتان ووصوا بها غيرهم فقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}.وقَالَ: الإنسان لا يستغنى عَنْ الصبر فِي حال من الأحوال فإنه بين أمر يجب عَلَيْهِ امتثاله وتنفيذه، ونهي يجب عَلَيْهِ اجتنابه وتركه، وقَدْ يجري عَلَيْهِ اتفاقًا، ونعمة يجب شكر المنعم عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الأحوال لا تفارقه، فالصبر لازم إِلَى الْمَمَات.آخر: اللَّهُمَّ نور قلوبنا بنور الإِيمَان وثبتها على قولك الثابت فِي الحياة الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَة وَاجْعَلْنَا هداة مهدتين وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وألحقنا بعبادك الصالحين يَا أكرم الأكرمين ويا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
|